إن الكثير من الأمهات تعاني بعد ولادتها وتواجه فترة حقيقية الصعوبة. ثم للأسف فإن هذه الفترة تترك شعورًا سلبيًا ممتدًا عليها وعلى رضيعها. وحين ننظر في الظروف التي تمر فيها معظم الأمهات اليوم فإن نستطيع أن أفهم كيف أصبحت هذه الفترة التي من اللازم أن تكون مغمورة بالمحبة والراحة، فترة سيئة السمعة شديدة الإرهاق
لذلك إني أكتب اليوم هذا المقال لجميع هؤلاء الذين يحيطون بالوالدة الجديدة. لأنه من دورهم أن يقوموا برعايتها وتوفير المحيط المناسب لها حتى تقوم هي بمهمتها على أتم وجه. فرعاية المولود والوالدة ليست مهمة فردية! بل هي مهمة مجتمعية منذ القدم. لأنه من الصعب جدًا أن تقوم الوالدة بالأمر لوحدها. فكيف لها أن تقوم برضاعة مولودها كل ساعة، وحمله على الدوام وتغيير حفاظه وملابسه، والاستيقاظ مراراًا خلال الليل لرضاعة مولودها وتقوم كذلك برعاية نفسها، وإراحة جسدها بعد الولادة، ثم إعداد طعامها وطعام العائلة، وترتيب المنزل وتدبير اموره؟
باعتقادي أن هذا الأمر هو ما شكل حملاً كبيرًا وحقيقيًا على الوالدة الجديدة. وأصبحت فترة صعبة شديدة الإنهاك.
فبينما كنت سعيدة برعاية اختي وعائلتي لي خلال الثلاثة شهور الأولى، ثم وجود عاملة منزلية معي حتى اليوم، لكني لم استطع بعد اتمام أمور أخرى اعتدتها في روتيني. وواجهت فترات عدة قصرت فيها في تغذيتي لنفسي. فرعاية المولود الجديد مهمة عمل على مدار الساعة. والوالدة ستكرس كل جهدها وعملها له. ولن يكن بوسعها أن تأتي أمورًا أخرى. فإن فعلت فإن سنكرر التجارب سيئة السمعة التي نسمعها على الدوام عن فترة ما بعد الولادة.
هذه الفترة حساسة جدًا وحرجة في تحديد شكل الحياة القادمة لكليكما. فالمجتمع الذي يعي أهمية تنشئة الطفل تنشئة صالحة منذ البداية سيعي أن له دور في رعاية الأم التي ستقوم على هذا الطفل
:فما اقترحه بعد الولادة لتكون المهمة أخف على الوالدة الجديدة هو التالي
١- أن تدرك الوالدة أنها بحاجة للرعاية والاهتمام وشخص يعتني بها على الدوام. فليس المولود هو الوحيد الذي بحاجة للرعاية بل الوالدة على حد سواء وعليها مناقشة هذا الأمر مع زوجها ليكون مدركًا تمامًا لهذا الاحتياج وملبيًا له. فيكون سندًا لا حملاً عليها خلال هذه الفترة
٢- اقترح جدًا وجود عاملة لتنظيف وترتيب المنزل. فإن لم يكن؛ فهناك العاملات بالساعة. هل تتخيلون أم ترغب بتنظيف مطبخها المتراكم الأطباق لكن رضيعها يبكي طالبًا إياها؟ هذا الأمر من شأنه أن يجعلها في ارتباك وانزعاج وتحت ضغط حقيقي سيؤثر عليها وعلى رضيعها. أضف لذلك أن جسمها بحاجة للراحة والمعافاة من بعد الولادة وليست مؤهلة في هذا الوقت لترتيب المنزل والعمل عليه
٣- تدبير وجباتها الغذائية سواء من عائلة مُحبة تقوم بإعدادها لها أو صديقة مخلصة أو مع مشاريع توفير الوجبات الغذائية. لأنه لن يكون من السهل عليها إعداد طعامها بنفسها، ما قد سيعرضها للجوع أو تفويت الوجبات وهو الأمر الذي ليس في صالحها ولا صالح مولودها. فهي تحتاج للطعام لتقوى جسديًا على حمل وعلى رضاعة المولود. إن المرضعة تعطش كثيرًا وهي تحتاج للماء باستمرار لأنه المدر الأول لحليبها. كما أنها بلا طعام طيب وطازج فسيكون جسدك حملاً عليها لا حامل لها. فبينما يبدوالأمر سهلاً أنها ستشرب الماء لكن مناولتها الوعاء وإبقاء الماء بجوارها على الدوام سيشكل فرقًا حقيقيًا في خدمتها.
٤- عمل مساج أسبوعيًا فأكثر ويوم سبا شهريًا لتجددي نفسك. أنت بحاجة للمساج لأنك بحاجة لعضلات قوية لأن تحملي رضيعك على الدوام. ثم لإراحة عضلاتك وجهازك العصبي. قرأت أن الوالدة في الهند تمسج جسمها كل يوم خلال فترة الأربعين، وبينما لا يسع الكثير تحمل تكلفة الأمر يوميًا فإنك لست ملزمة بعمله خارج المنزل؛ إن أختك المحبة أو صديقتك أو زوجك بوسعهم إسدائك هذه الخدمة فلا تخجلي من طلبها.
٥- اقترح ألا تكون الوالدة في فترة عمل بل في إجازة طويلة. فأنت بالفعل الآن في مهمة عمل على مدار الساعة. وأي عمل دونه سيشكل لك ضغطًا نفسيًا كبيرًا لست في حاجته. وقد كان دور الأنثى منذ الخليقة أن تجلس في المنزل وترعى أمورها وأمور بيتها وأن يخرج الرجل لتدبير المال واحتياجات المنزل. بعد ولادتك فهذا هو الوقت المثالي لضبط هذا الميزان من جديد
٦- حسب قدرتك وحسب تقبل مولودك إلتقي بأصدقائك وأخرجي للأماكن التي تساعدك على تجديد ذاتك. فبالطبع البقاء محاطة بأربع جدران على مدار الساعة ليس عملاً مريحًا وقد يهرقك نفسيًا. – لا تنسي أن الرضيع يحتاج للهدوء الشديد فراعي ذلك إذا قررتي الخروج – لا تخجلي أن تطلبي ” وقت مستقطع ” وتسمحي لأحدهم أن يحمل رضيعك لساعات بينما ترتاحين أنت في غرفة أخرى. ففي الحقيقة هكذا إنما تجددين نفسك وحبك لرضيعك.
٧- المشي كل صباح والالتقاء بالشمس متنفس حقيقي ومهديء طبيعي. وهو ذو نفع لك ولرضيعك. قد يظن البعض أن المشي سيرهقهم أكثر لكن الحقيقة أنه لن يتعبك بل سيبعد عنك التعب.
٨- تمددي، ارتاحي، تنفسي كلما سنحت لك الفرصة.
٩- ابتعدي عن الأمور التي ستشغلك مسببة لك ضغطًا وانزعاجًا. إذا لم تستطيعي مشاهدة مسلسلك المفضل لأن رضيعك ملتصق بك فاتركي هذا المسلسل فورًا. حيث أنك لو رغبتي بكليهما ( المسلسل وطفلك ) فستضطربين من داخلك لأنك لم تستطيعي الجمع بينهما. أو أنت مدركة الآن أن الأولوية الأولى هي لطفلك؟ أن كل الانتباه والرعاية ستصب لأجله. إن المسلسل سيصبح أمرًا تافهًا الآن
١٠- لا تخجلي أن تبلغي الناس أنك لا ترغبين بزيارتهم اليومية. وحددي يوم واحد في الاسبوع للزيارة ومبادلة المباركة. إن المباركة ومشاركة الجميع هذه الفرحة أمر شديد الجمال لكن إن لم يناسبك أن يكون أمرًا يوميًا فلا أحد سواك يستطيع إيقافه وتحسين الوضع
.أن الأمر يحتاج لبذل أسبابه ليكون مريحًا وطبيعيًا. وأرجو لك من عميق قلبي فترة استثنائية تشكل فرقًا مذهلاً في حياتكما