نثر اليوم أحدهم أرزًا مطبوخًا في الممشى المقابل لسكني كي يأكل الطير منه ويشبع. ولا أشك أن هذا التصرف يأتي من حسن نية لكن الحقيقة أنه كان يغضبني في كل مرة أرى فيها هذا المنظر. فالطعام المطبوخ يسبب مشاكل صحية معقدة للحيوان قد تؤدي به إلى الوفاة في وقت قصير. فأنت لو زرت حديقة حيوان من قبل ربما قد قرأت اللافتة التي تقول: ” لا تطعم حيوانات الحديقة “. لكني هدأت عن الغضب حين أدركت الأمر: أن الإنسان اليوم لم يعد يعرف ما الطعام المناسب له حتى يعرف ما هو الطعام المناسب للحيوان! بل إن الحيوان ذاته يعرف ما المناسب له أكثر من معرفة الإنسان لنفسه
واحدة من الأفكار التي قربتني لقبول الأكل الحي قبل سبع سنين حين استوعبت أنه لا يوجد أي حيوان في الطبيعة يشيخ أو يهرم أو يمرض إلا الحيوانات التي تسكن مع الإنسان والإنسان نفسه. فالأسد لا يتحول شعر رأسه للأبيض قبل وفاته. والبقرة لا تكح أو ينحي ظهرها. فلا يوجد أي حيوان في الطبيعة يطبخ طعامًا أو يعالجه أو يكرره إلا الإنسان. كما أنه لا يوجد أي حيوان في الطبيعة يأكل طعامًا لا يتوافق مع بنائه الجسدي إلا الإنسان. وبينما تعتبر معظم الحيونات أقل عمرًا وأضعف من الإنسان إلا أنها أكثر عافية وسلامة من الإنسان نفسه.

لقد ضاعت الحقيقة اليوم وجهل الإنسان معنى الصحة. فنحن لم نعيشها حتى ندركها! فمن عمر الشهر يبدأ الرضيع بتناول طعامًا – حليبًا – لا يتسق مع بنائه الجسدي. كانت الصحة تعتبر أمرًا طبيعيًا وبديهيًا عن أجداد أجدادنا ومن سبقوهم. فلم تشكل لهم أي تحدي أو تساؤل إنما هي بين أيديهم. أما الإنسان اليوم في ظل التعتيم الذي يحصل ونقص المعلومات المقدمة فلم يعد يعرف: ما هي الصحة. ولكي نعرف فإن علينا أن “ننالها” علينا أن نقوم ببحث وعمل وأن نغوض ونتعمق سائلين عن الحقيقة. فهل حقًا أن هذا الإنسان الذي اكتشف الذرة، وبنى المدينة، واستطاع أن يتواصل مع صديقه الذي يسكن فى أقصى الأرض في ثانية لم يستطع حتى اليوم أن يحل مشكلة الصداع؟
إننا اليوم وأكثر مما مضى في أشد حاجتنا لأن نعرف الصحة ونعود إليها. فكمية الأمراض والكسل التي أصابت المجتمعات ليست طبيعية على الإطلاق. إنما هي نتاج جهل وضياع. الحقيقة أن الصحة ممكنة وأن سر كبير يكمن في الأكل الذي نأكله. هذا السر ينكشف لمن يسعى إليه